کد مطلب:352939 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:262

تحذیر النبی من عائشة و فتنتها
لقد كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یدرك عمق وخطورة المؤامرة التی

تدار حوله من جمیع جوانبها، ولا شك بأنه عرف ما للنساء من تأثیر وفتنة علی الرجال، كما أدرك بأن كیدهن عظیم تكاد تزول منه الجبال، وعرف بالخصوص بأن زوجته عائشة هی المؤهلة لذلك الدور الخطیر لما تحمله فی نفسها من غیرة وبغض لخلیفته علی خاصة، ولأهل بیته عامة، كیف وقد عاش بنفسه أدوارا من مواقفها وعداوتها لهم، فكان یغضب حینا ویتغیر وجهه أحیانا، ویحاول إقناعهم فی كل مرة بأن حبیب علی هو حبیب الله والذی یبغض علیا هو منافق یبغضه الله - ولكن هیهات لتلك الأحادیث أن تغوص فی أعماق تلك النفوس التی ما عرفت الحق حقا إلا لفائدتها وما عرفت الصواب صوابا إلا إذا صدر عنها. ولذلك وقف الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لما عرف بأنها هی الفتنة التی جعلها الله فی هذه الأمة لیبتلیها بها كما ابتلی سائر الأمم السابقة. قال تعالی: ألم أحسب الناس أن یتركوا أن یقولوا آمنا وهم لا یفتنون [العنكبوت: 2]. وقد حذر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمته منها فی مرات



[ صفحه 105]



متعددة حتی قام فی یوم من الأیام واتجه إلی بیتها وقال: ههنا الفتنة، ههنا الفتنة حیث یطلع قرن الشیطان، وقد أخرج البخاری فی صحیحه فی باب ما جاء فی بیوت أزواج النبی: قال عن نافع عن عبد الله رضی الله عنه قال: قام النبی صلی الله علیه وآله وسلم خطیبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ثلاثا، من حیث یطلع قرن الشیطان [1] .

كما أخرج مسلم فی صحیحه أیضا عن عكرمة بن عمار عن سالم عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من بیت عائشة، فقال: رأس الكفر من ههنا من حیث یطلع قرن الشیطان [2] .

ولا عبرة بالزیادة التی أضافوها بقولهم: یعنی المشرق، فهی واضحة الوضع لیخففوا بها عن أم المؤمنین ویبعدوا هذه التهمة عنها. وقد جاء فی صحیح البخاری أیضا: قال لما سار طلحة والزبیر وعائشة إلی البصرة، بعث علی عمار بن یاسر وحسن بن علی فقدما علینا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علی فوق المنبر فی أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إلهی فسمعت عمارا یقول: إن عائشة قد سارت إلی البصرة ووالله إنها لزوجة نبیكم صلی الله علیه وآله وسلم فی الدنیا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالی ابتلاكم لیعلم إیاه تطیعون أم هی [3] .

الله أكبر فهذا الخبر یدل أیضا أن طاعتها معصیة لله وفی معصیتها هی والوقوف ضدها طاعة لله. كما نلاحظ أیضا فی هذا الحدیث أن الرواة من بنی أمیة أضافوا عبارة والآخرة، فی (أنها لزوجة نبیكم فی الدنیا والآخرة) لیموهوا علی العامة بأن الله غفر لها كل ذنب اقترفته أدخلها جنته وزوجها حبیبه رسول الله صلی



[ صفحه 106]



الله علیه وآله وسلم - وإلا من أین علم عمار بأنها زوجته فی الآخرة؟ وهذه هی أخر الحیل التی تفطن لها الوضاعون من الرواة فی عهد بنی أمیة عندما یجدون حدیثا جری علی ألسنة الناس فلا یمكنهم بعد نكرانه ولا تكذیبه فیعمدون إلی إضافة فقرة إلیه أو كلمة أو تغییر بعض ألفاظه لیخففوا من حدته أو یفقدوه المعنی المخصوص له، كما فعلوا ذلك بحدیث، أنا مدینة العلم وعلی بابها الذی أضافوا وأبوا بكر أساسها وعمر حیطانها وعثمان سقفها. وقد لا یخفی ذلك علی الباحثین المنصفین فیبطلون تلك الزیادات التی تدل فی أغلب الأحیان علی سخافة عقول الوضاعین وبعدهم عن حكمة ونور الأحادیث النبویة، فیلاحظون أن القول بأن أبا بكر أساسها، معناه أن علم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كله من علم أبی بكر، وهذا كفر. كما أن القول بأن عمر حیطانها فمعناه بأن عمر یمنع الناس من الدخول للمدینة أعنی یمنعهم من الوصول للعلم والقول بأن عثمان صفقها، فباطل بالضرورة لأنه لیس هناك مدینة مسقوفة وهو مستحیل. كما یلاحظون هنا بأن عمارا یقسم بالله علی أن عائشة زوجة النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی الدنیا والآخرة، وهو رجما بالغیب فمن أین لعمار أن یقسم علی شئ یجهله؟ هل عنده آیة من كتاب الله، أم هو عهد عهده إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فیبقی الحدیث الصحیح هو إن عائشة قد سارت إلی البصرة، وإنها لزوجة نبیكم، ولكن الله ابتلاكم بها لیعلم إیاه تطیعون أم هی. والحمد لله رب العالمین علی أن جعل لنا عقولا نمیز بها الحق من الباطل وأوضح لنا السبیل ثم ابتلانا بأشیاء عدیدة لتكون علینا حجة یوم الحساب.



[ صفحه 107]



خاتمة البحث والمهم فی كل ما مر بنا من الأبحاث وإن كانت مختصرة أن عائشة بنت أبی بكر أم المؤمنین وزوجة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم تكن معدودة من أهل البیت الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا، والذین عصمهم الله من كل الذنوب وطهرهم من كل رجس فأصبحوا بعد ذلك معصومین. ویكفی عائشة أنها قضت آخر أیام حیاتها فی بكاء ونحیب وحسرة وندامة، تذكر أعمالها فتفیض عیناها ولعل الله سبحانه یغفر لها خطایاها فهو وحده المطلع علی أسرار عباده والذی یعلم صدق نوایاها، ویعلم خائنة الأعین وما تخفی الصدور. فلا یخفی علی الله شئ فی الأرض ولا فی السماء، ولیس لنا ولا لأی أحد من الناس أن یحكم بالجنة أو بالنار علی مخلوقاته فهذا تكلف وتطفل علی الله، قال تعالی: لله ما فی السماوات وما فی الأرض وإن تبدوا ما فی أنفسكم أو تخفوه یحاسبكم به الله فیغفر لمن یشاء ویعذب من یشاء والله علی كل شئ قدیر [البقرة: 284]. وبهذا لا یمكن لنا أن نترضی علیها ولا أن نلعنها ولكن لنا أن لا نقتدی بها ولا نبارك أعمالها، ونتحدث بكل ذلك لتوضیح الحقیقة إلی الناس، عسی أن یهتدوا لطریق الحق. قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: لا تكونوا سبابین ولا لعانین، ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ فی الحجة.


[1] صحيح البخاري: 4 / 46.

[2] صحيح مسلم: 8 / 181.

[3] صحيح البخاري: 8 / 97.